مر هذا الجيل على مختلف أعماره بعشر سنوات عجيبة بتجاربها وانقلاباتها.. مارا بثورتين، وبإطاحة برئيسين.. و بتغيرات سياسية لا متوقعة حكاما وشعبا، وبتغيرات اجتماعية عبر انخراط واهتمام حزب الكنبة بالشأن العام، ويمكن أن نضيف الحياة الاقتصادية و لكنها الأقل تغييرا، حيث مازال الحكام يتحكمون بنوع الاقتصاد وانحيازاته، يلقون بك من أقصى اليمين لأقصى اليسار، بدون أي اعتبار لقبول أو رفض الشعب، الذي تم تهجين مجالسه النيابية بحيث انتزعت وسائل المراقبة والمحاسبة وأصبحت رافدا للسلطة التنفيذية وليست معبرة عن مشاكل وحاجات الناس، وهو أمر أدى شبيهه فى نهاية عام 2010 الى ثورة شعببية أطاحت بالرئيس وفلول نظامه فى 11 فبراير بعد تزوير فج لانتخابات مجلس شعبه حينئذ، وأعلن الجميع أن الشعب أسقط النظام قبل أن ندرك فيما بعد أن النظام نفسه لم يسقط بسبب رومانسية الثورة وسلميتها وعدم وجود قائد قوى ونبيل وصاحب خبرة بدهاليز السياسة وجرائمها و تواطؤاتها والذي سقط فقط هو الرئيس دون النظام!
تلك كانت سنوات المخلوع مبارك.. استقرار زائف، جمود مؤذي، خروج مصر من تأثيرها الاستراتيجى فى إفريقيا، وتقلص لدورها الاقليمي وفي دائرتها العربية.
تم القضاء على القطاع العام وحدث انتشار وتقنين للفساد وتزواجت الثروة والسلطة وكانت النية مبيتة للتوريث لولا الثورة.. كنا سنورث كالمتاع لولى عهد مبارك لتبدأ امبراطورية رئاسية لاتختلف عن الممالك العربية الفاسدة وعائلاتها المالكة بحكم وضع اليد على ثروات الشعوب من أول البترول إلى الأراضي.. فسدة أرادوا توريث فشلة، فكانت النتيجة الحتمية هي الثورة، بعدما أغلقت أمام الشعب أي أمل في تداول السلطة، كأمر طبيعى تعيشه الدول الحرة ولكنه فى المنطقة العربية كالغول والعنقاء والخل الوفي.
عقود حكم مبارك كانت عجيبة، فى استمراره على كرسى السلطة حتى شاخ عليها كما قال هيكل، غياب تام للعدالة الاجتماعية التي أصبح يحدد احتياجاتها وتصنيفها أهل الحكم لا الواقع المعاش، نعيد التذكير بتفاصيلها حتى نعي ما كنا فيه وما نصبو إليه.. فى زمانه الحرية كانت غائبة إلا فى مظاهر ديكورية لا تخفى على أحد، حريتك أن تصمت ومن ينطق فهو يسعى لإسقاط الوطن حتى لو كانت سيرتك نظيفة وحياتك تعلن وطنيتك المصرية.
هل تعلمنا جميعا شعوبا وحكاما درس مبارك؟
مبارك تصور أن قانون طوارئه وأجهزته الأمنية التى تدخلت وتغولت في الحياة السياسية والاقتصادية، بحيث كانت هي المرجع لأي اختيارات للمناصب القيادية فى كل المجالات، حتى وصلت لأروقة الجامعة ورغم أن مجالات العلم والتفوق لها خصوصيتها إلا أنه قضى على أهل الخبرة فيها، مما أدى إلى إضعاف روح الجامعة واستقلاليتها، ونسوا أن العلم مفتاح التقدم، فهربت العقول خارج مصر لتتنفس علما حقيقيا لاتفسده السياسة ولا الأمن، فخسرتهم مصر وكسبت دول المهجر.
تصور مبارك أنه ملك مصر وأهلها، وأن الحياة دانت له والحكم مستمر لآخر أحفاده.. ونسي أن الضغط يولد الانفجار وأن هناك حدود للتحمل.. فلا تأمن صمت شعبك حتى لو وجدت منه من يهلل، وإلا ستفاجأ بثورة على أهون سبب كما حدث في الثورة الفرنسية، فلم يكن موت طفل فقير تحت سنابك جياد عربة الأميرة هو السبب الوحيد، إنما كان القشة التى قصمت ظهر البعير.
هل تعلمنا شيئا نحن شعوب وحكام دول الربيع العربي من درس ثوراته؟ هل تعلمنا أنه لايضيع حق وراءه مطالب وأن الشعوب تستطيع وقادرة على التغيير إذا ما اتحدت وتسامت عن الخلافات والمصالح الصغيرة، وتوافر لديها الاهتمام بالشان العام وحماية صناديق الانتخابات بالحضور وحسن الاختيار باعتباره وسيلة وحيدة لحماية حياتهم ومستقبل أولادهم.
وهل تعلم الحكام فى المنطقة العربية ألا يستهينوا بصمت الشعوب وتحملها وتفهمها فى أحيان كثيرة، رغبة في الاستقرار وأملا في أن يشعر الحكام أن بقاءهم مرهون برضا الشعوب عنهم وإلا فوجئوا وهم في أقصى درجات التمكن والاطمئنان بأنهم مخلوعون بأقصى درجات التحضر من شعوبهم، كما حدث فى مصر لمبارك.. بسلمية وتحضر أدهش العالم وألهمه.. أو بحرب أهلية وتوحش و اغتيال للرئيس بصورة مرعبة انتقاما لسنوات الذبح و القهر، كما حدث للقذافى منذ عشر سنوات، أو حتى بالصناديق كما حدث فى أيامنا الحالية للرئيس الأمريكى ترامب، الذى حاول القفز على الديموقراطية ولولا مؤسسات الدولة النيابية واستقلال قضائه وتمسك الأمريكيين بحقهم وحريتهم في اختيار رئيسهم لسقطت أمريكا في جحيم الفاشية، ولوجدت نفسها فى حرب أهلية ترجعها مئات السنين الى الوراء إلى بداية تاريخها ومعاركها من اجل تثبيت ديموقراطيتها!
ثورة 25 يناير حيرت العالم والناس!
مرة يحتفل بها كفعل نبيل من شباب طاهر، ومرة توصف بمؤامرة إخوانية ماسونية كانت تسعى لإسقاط الدولة،.. مرة تضرب التحية العسكرية لشهدائها، ومرة يلقى بشبابها إلى السجون بتهمة التحريض على الدولة، ثم العودة مرة اخرى لفكرة أنها ثورة شعب تعب من الفساد. كل ذلك والإعلام مطيع ومتأرجح ومنسحق مع تغير الظروف دون نظرة خجل للمصداقية.. مرة أخرى خسرت مصر وكسبت القنوات المعادية.. مرة يعلنون عدم أهليتنا وجاهزيتنا للديموقراطية، ومرة أخرى يلوموننا على عودتنا إلى لامبالاتنا القديمة، لأننا للأسف نعامل كرعايا لا مواطنين، فلا تتعجبوا أننا عدنا وعادت معنا ريما لعادتها القديمة.
11 فبراير درس حكيم لمن يريد الاستقرار فى الحكم والنهوض بالبلد و النأي بها عن الإرهاب والفوضى.. وأن مطالب الثورة كانت وسوف تكون دائما مطلبا أساسيا من مطالب الشعوب الحرة، فما زالت الشعوب تحلم بالحرية، فمن ينكرها؟ وبالعيش، فمن يستغنى عنه؟ وبالعدالة الاجتماعية.. فما استقر حكم بدونها، وبالكرامة الانسانية، يجيب عنها الصعيدى الذى بكى يوم عزل مبارك قائلا: تعبت من الإهانة والذل يا خالة.. فشاركت فى الثورة!!
----------------------
بقلم: وفاء الشيشيني